فصل: ذكر حرب سيمجور مع أبي الحسين بن العلويّ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  ذكر عدّة حوادث

وفيها في ربيع الأوّل وقع حريق كبير في الكرخ فاحترق فيه بشر كثير‏.‏

وفيها استعمل المقتدر على حرب الموصل ومعونتها محمّد بن نصر الحاجب في جُمادى الأولى وسار إلها فيه فلمّا وصل إليها أوقع بمن خالفه من الأكراد المارانيّة فقتل وأسر وأرسل إلى بغداد نيّفًا وثمانين أسيرًا فشُهروا‏.‏

وفيها قُلّد داود بن حمدان ديار ربيعة‏.‏

وفيها توفّي أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سهل بن عطاء الآدميُّ الصوفيُّ من كبار مشايخهم وعُمائهم وأبو إسحاق إبراهيم بن هارون الحرّانيُّ الطبيب وأبو محمّد عبدالله بن حمدون النديم‏.‏

  ذكر حرب سيمجور مع أبي الحسين بن العلويّ

قد ذكرنا قتل ليلى بن النُّعمان وأنّ جُرجان تخلّف بها بارس غلام قراتكين فلمّا قُتل ليلى بن النُّعمان عاد قراتكين إلى جُرجان فاستأمن إليه غلامه ارس فقتله قراتكين وانصرف عن جُرجان وقدمها أبو الحسين ابن الحسن بن عليّ الأُطروش العلويّ الملقّب والده بالناصر وأقام بها فأنفذ إليه السعيد نصر بن أحمد سيمجورَ الدواتيَّ في أربعة آلاف فارس فنزل على فرسخين من جُرجان وحاصر أبا الحسين نحو شهر من هذه السنة‏.‏

وخرج إليه أبو الحسين في ثمانية آلاف رجل من الدَّيلم والجُرجانيّة وصاحب جيشه سُرخاب بن وهسوذان ابن عمّ ما كان بن كالي الديلميّ فتحاربا حربًا عظيمة وكان سيمجور قد جعل كمينًا من أصحابه فأبطأوا عنه فانهزم سيمجور ووقع أصحاب أبي الحسين في عسكر سيمجور واشتغلوا بالنهب والغارة فخرج عليهم الكمين بعد الظفر فقتلوا من الديلم والجُرجانيّة نحو أربعة آلاف رجل وانهزم أبو الحسين وركب في البحر ثمّ عاد إلى أسّتراباذ واجتمع إليه فلّ أصحابه‏.‏

وكان سُرخاب قد تبع سيمجور في هزيمته فلمّا عاد رأى أصحابه مقتّلين مشرّدين فسار إلى استراباذ واستصحب معه عيال أصحابه ومخلّفيهم وأقام بها مع أبي الحسين بن الناصر ثم سمع سيمجور بظفر أصحابه فعاد إليهم وأقام بجرجان ثمّ اعتلّ سُرخاب ومات ورجع ابن الناصر إلى سارية واستخلف ما كانَ بن كالي على استراباذ فاجتمع إليه الديلم وقدّموه وأمّروه على أنفسهم‏.‏

ثمّ سار محمّد بن عبيد الله البلغميُّ وسيمجور إلى باب استراباذ وحاربوا ما كان بن كالي فلمّا طال مقامهم اتّفقوا معه على أن يخرج عن استراباذ إلى سارية وبذلوا له على هذا مالًا ليظهر للناس أنّهم قد افتتحوها ثمّ ينصرفون عنها ويعود إليها ففعل وسار إلى سارية ثمّ رحلوا عن استراباذ إلى جُرجان ثمّ إلى نَيسابور وجعلوا بُغرا باستراباذ فلمّا ساروا عنها عاد إليها ما كان بن إلى ففارقها بغرا أليلأ جُرجان وأساء السيرة في أهلها وخرج إليه ما كان فرجع بُغرا إلى نَيسابور وأقام ما كان بجرجان ونحن نذكر ابتداء حال ما كان وننقلها عند قتله سنة تسع وعشرين وثلاثمائة‏.‏

  ذكر خروج إلياس بن إسحاق بن أحمد بن أسد السامانيّ

ثمّ خرج إلياس بن إسحاق بن أحمد المقدَّم ذكره أنّه خرج مع أبيه وانهزم إلى فرغانة فلمّا بلغ فرغانة أقام بها إلى أن خرج ثانيًا واستعان عند خروجه بمحمّد بن الحسين بن متّ وجمع من الترك فاجتمع معه ثلاثون ألف عنان فقصد سَمَرْقَنْد مشاقًّا للسعيد نصر بن أحمد فسيّر إليه نصر أبا عمرو محمّد بن أسد وغيره في ألفين وخمسمائة رجل فكمنوا خارج سَمَرْقَنْد يوم ورود إلياس فلمّا وردها واشتغل هو ومَن معه بالنزول خرج الكمين عليه من بين الشجر ووضعوا السيوف فيهم فانهزم إلياس وأصحابه فوصل إلياس إلى فرغانة ووصل ابن متّ إلى اسبيجاب ومنها إلى ناحية طراز فكوتب دهقان الناحية التي نزلها وأُطمع وقَبض عليه وقتلهن وأنفذ رأسه إلى بخارى‏.‏

وكان ابن متّ شجاعًا وكان قد سخّر جمالًا عند خروجه فجاء أصحابه يطلبونها منه فقال‏:‏ سأردّها عليكم ببغداد يعني أنّه لا يردّ شيئًا من بغداد ثقةً بكثرة جمعه وقوّته فجاءت الأقدار بما لم يكن في الحسا‏.‏

ثمّ عاد إلياس فخرج مرّة ثالثة وأعانه أبو الفضل بن أبي يوسف صاحب الشاش فسيّر إليه محمّد بن ألِيسَع فحاربهم فانهزم إلياس إلى كاشْغَر وأُسر أبو الفضل وحُمل إلى بخارى فمات بها‏.‏

وأمّا إلياس فصاهر دهقان كاشْغَر طغانتكين واستقرّ بها ثمّ وليَ محمّد بن المظفَّر فرغانة فرجع إليها إلياس بن إسحاق معاندًا فحاربه محمّد ابن المظفَّر فهزمه مرّة أخرى فعاد إلى كاشغر فكاتبه محمّد بن المظفّر واستماله ولطف به فأمن إلياس إليهن وحضره إلى بخارى فأكرمه السعيد وصاهره وأقام معه‏.‏

  ذكر وفاة محمّد بن جرير الطبريّ

و في هذه السنة توفّي محمّد بن جرير الطبريُّ صاحب التاريخ ببغداد ومولده سنة أربع وعشرين ومائتين ودفن ليلًا بداره لأنّ العامّة اجتمعت ومنعت من دفنه نهارًا وادعو عليه الرفض ثمّ ادعوا عليه الإلحاد وكان عليٌّ بن عيسى يقولك والله لو سُئِل هؤلاء عن معنى الرفض والإلحاد ما عرفوه ولا فهموه وهكذا ذكره ابن مِسكويه صاحب تجارب الأمم وحُوشي ذلك الإمام عن مثل هذه الأشياء‏.‏

وأمّا ما ذكره عن تعصّب العامّة فليس الأمر كذلك وأنّما بعض الحنابلة تعصّبوا عليه ووقعوا فيه فتبعهم غيرهم ولذلك سبَب وهو أنّ الطبريّ جمع كتابًا ذكر فيه اختلاف الفقهاء لم يصنف مثله ولم يذكر فيه أحمد بن حَنبَل فقيل له في ذلك فقال‏:‏ لم يكن فقيهًا وإنّما كان حَسدوا الفَتى إذ لم ينالوا سَعيّة فالناسُ أعداءٌ له وخُصومُ كضرائرِ الحَسناءِ قُلنَ لِوَجهِها حسَدًا وبَغيًا إنّه لَدَمِيمُ وقد ذكرت شيئًا من كلام الأئمّة في أبي جعفر يُعلم منه محلّه في العلم والثقة وحسن الاعتقاد فمن ذلك ما قاله الإمام أبو بكر الخطيب بعد أن ذكر مَن روى الطبريُّ عنه ومَن روى عن الطبريّ فقال‏:‏ وكان أحد أئمّة العلماء يُحكم بقوله ويُرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره وكان حافظًا لكتاب الله عارفًا بالقراءات بصيرًا بالمعاني فقيهًا في أحكام القرآن عالمًا بالسن وطرقها صحيحها وسقيمها ناسخها ومنسوخها عارفًا بأقاويل الصحابة والتابعين ومَن بعدّهم في الأحكام ومسائل الحلال والحرام خبيرًا بأيّام الناس وأخبارهم وله الكتاب المشهور في تاريخ الأمم والملوك والكتاب الذي في التفسير لم يصنّف مثله وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة وأخبار من أقاويل الفقهاء وتفرّد بمسائل حُفظتْ عنه‏.‏

وقال أبو أحمد الحسين بن عليّ بن محمّد الرازيُّ‏:‏ أوّل ما سألني الإمام أبو بكر بن خُزَيمة قال لي‏:‏ كتبتَ عن محمّد بن جرير الطبريّ قلتُ‏:‏ لا‏!‏ قال‏:‏ لِمَ قلتك لا يظهر وكانت الحنابلة تمنع من الدخول عليه فقال‏:‏ بئس ما فعلت‏!‏ ليتك لم تكتب عن كلّ مَن كتبت عنه وسمعت عن

وقال ابن خُزيمة حين طالع كتاب التفسير للطبريّ‏:‏ ما أعلم على أديم الأرض أعلم من أبي جعفر ولقد ظلمتْه الحنابلة‏.‏

وقال أبو محمّد عبدالله بن أحمد الفرغانيُّ بعد أن ذكر تصانيفه‏:‏ وكان أبو جعفر ممّن لا يأخذه في الله لومة لائم ولا يعدل في علمه وتبيانه عن حقّ يلزمه لربّه للمسلمين إلى باطل لرغبة ولا رهبة مع عظيم ما كان يلحقه من الأذى والشناعات من جاهل وحاسد وملحد‏.‏

وأمّا أهل الدين والورع فغير منكرين علمه وفضله وزهده وتركه الدنيا مع إقبالها عليه وقناعته بما كان يرد عليه من قرية خلّفها له أبوه بطبرستان يسيرة ومناقبه كثيرة لا يحتمل ها هنا أكثر من هذا‏.‏

  ذكر عدة حوادث

فيها أطلق المقتدر يوسفَ بن أبي الساج من الحبس بشفاعة مؤنس الخادم وحُمل إليه ودخل إلى المقتدر وخلع عليه ثمّ عقد له على الرّيّ وقَزوين وأبهر وزنجان وأذربيجان وقرّر عليه خمسمائة ألف دينار محمولة كلّ سنة إلى بيت المال سوى أرزاق العساكر الذين بهذه البلاد‏.‏

وخلع في هذا اليوم على وصيف البكتمريّ وعلى طاهر ويعقوب ابنَيْ محمّد بن عمرو بن

وتجهّز يوسف وضمّ إليه المقتدرُ بالله العساكر مع وصيف البكتمريّ وسار عن بغداد في جمادى الآخرة إلى أذربيجان وأمر أن يجعل طريقه على الموصل وينظر في أمر ديار ربيعة فقدم إلى الموصل ونظر في الأعمال وسار إلى أذربيجان فرأى غلامه سُبُكًا قد مات‏.‏

وفيها قُلّد نازوك الشُّرطة ببغداد‏.‏

وفيها وصلت هدية إلى أبي زبور الحسين بن أحمد الماذرائي من مصر وفيها بغلة ومعها فِلْوٌ يتبعها ويرضع منها وغلام طويل اللسان ويلحق لسانه أرنبة أنفه‏.‏

وفيها قبض المقتدر على أمّ موسى القهرمانة وكان سبب ذلك أنّها زوّجت ابنة أختها من أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن إسحاق بن المتوكّل على الله وكان محسنًا له نعمة ظاهرة ومروءة حسنة وكان يرشّح للخلافة فلمّا صاهرتْه أكثرت من النثار والدعوات وخسّرت أموالًا جليلة فتكلّم أعداؤها وسعوا بها إلى المقتدر وقالوا إنّها قد سعت لأبي العبّاس في الخلافة وحلّفت له القوّاد وكثر القول عليها فقبض عليها وأخذ منها أموالًا عظيمة وجواهر نفيسة‏.‏

وفيها غزا المسلمون في البرّ والبحر فغنموا وسلموا‏.‏

وفيها كان بالموصل شغب من العامّة وقتلوا خليفة محمّد بن نصر الحاجب بها فتجهّز العسكر من بغداد إلى الموصل‏.‏

وفيها في جُمادى الآخرة انقضّ كوكب عظيم له ذنب في المشرق في برج السنبلة طوله نحو ذراعَينْ‏.‏

وفيها سار محمّد بن نصر الحاجب من الموصل إلى الغزاة على قَالِيقَلا فغزا الروم من تلك الناحية ودخل أهل طَرَسُوس ملَطْية فظفروا وبلغوا من بلاد الروم والظفر بهم ما لم يظنّوه وعادوا‏.‏

وفيها توفّي أبو عبد الله محمّد بن العبّاس بن محمّد بن أبي محمّد اليزيديُّ الأديب أخذ العلم عن ثعلب والرياشيّ‏.‏

وحج بالناس هذه السنة إسحاق عبد الملك الهاشمي‏.‏

  ثم دخلت سنة إحدى عشرة وثلاثمائة

  ذكر عزل حامد وولاية ابن الفرات

في هذه السنة في ربيع الآخر عزل المقتدرُ حامدَ بن العبّاس عن الوزارة وعليَّ بن عيسى عن الدواوين وخلع على أبي الحسين بن الفرات وأعيد إلى الوزارة‏.‏

وكان سبب ذلك أن المقتدر ضجر من استغاثة الأولاد والحُرَم والخدم والحاشية من تأخير أرزاقهم فإنّ عليّ بن عيسى كان يؤخّرها فإذا اجتمع عدّة شهور أعطاهم البعض وأسقط

البعض وحطّ من أرزاق العمّال في كلّ سنة شهرَيْن وغيرهم ممّن له رزق فزادت عداوة الناس له‏.‏

وكان حامد بن العبّاس قد ضجر من المُقام ببغداد وليس إليه من الأمر شيء غير لبس السواد وأنف من طّراح عليّ بن عيسى بجانبه فإنّه كان يُهينه في توقيعاته بالإطلاق عليه لضامنه بعض الأعمال وكان يكتب‏:‏ ليطلق جهبذ الوزير أعزّه الله وليبادر نائب الوزير‏.‏

وكان إذا شكا إليه بعض نوّاب حامد يكتب على القصّة‏:‏ إنّما عقد الضمان على النائب الوزيريّ عن الحقوق الواجبة السلطانيّة فليتقدّم إلى عمّاله بكفّ الظلم عن الرعيّة‏.‏

فاستأذن حامد وسار إلى واسط لينظر في ضمانه فأذن له وجرى بين مفلح الأسود وبين حامد كلام قال له حامد‏:‏ لقد هممتُ أن أشتري مائة خادم أسود وأسمّيهم مُفلحًا وأهبهم لغلماني فحقده مُفلح وكان خصّيصًا بالمقتدر فسعى معه المحسن بن الفرات لوالده بالوزارة وضمن أموالًا جليلة وكتب على يد رقعة يقول‏:‏ أن يُسلّم الوزير وعليّ بن عيسى وابن الحواريّ وشفيع اللؤلؤيّ ونصر الحاجب وأمّ موسى القهرمانة والمادرانيّون يستخرج منهم سبعة آلاف ألف دينار‏.‏

وكان المحسن مطلقًا وكان يواصل السعاية بهؤلاء الجماعة وذكر ابن الفرات للمقتدر ما كان

يأخذه ابن الحواريّ كلّ سنة من المال فاستكثره فقبض على عليّ بن عيسى في ربيع الآخر وسُلّم إلى زيدان القهرمانة فحبسته في الحجرة التي كان ابن الفرات محبوسًا فيها وأُطلق ابن الفرات وخُلع عليه وتولّى الوزارة وخُلع على ابنه المحسن وهذه الوزارة الثالثة لابن الفرات‏.‏

وكان أبو عليّ بن مقلة قد سعى بابن الفرات وكان يتقلّد بعض الأعمال أيّام حامد فحضر عند ابن الفرات وكان ابن الفرات هو الذي قدّم ابن مقلة وربّاه وأحسن إليه ولّما قيل عنه إنّه سعى به لم يصدق ذلك حنّى تكرّر ذلك منه‏.‏

ثمّ إنّ حامدًا صعد من واسط فسيّر إليه ابن الفرات من يقبض عليه في الطريق وعلى أصحابه فقبض على بعض أصحابه وسمع حامد فهرب واختفى ببغداد ثمّ إنّ حامدًا لبس زيّ راهب وخرج من مكانه الذي اختفى فيه ومشى إلى نصر الحاجب فاستأذن عليه فأذن له فدخل عليه وسأله إيصال حاله إلى الخليفة فاستدعى نصر مفلحًا الخادم وقال‏:‏ هذا يستأذن إلى الخليفة إذا كان عند حرمه‏.‏

فلمّا حضر مُفلح فرأى حامدًا قال‏:‏ أهلًا بمولانا الوزير أين مماليكك السودان الذين سمّيتَ كلّ واحد منهم مُفلحًا فسأله نصر أن لا يؤاخذه وقال له‏:‏ حامد يسأل أن يكون محبسه في دار الخليفة ولا يُسلّم إلى ابن الفرات‏.‏

فدخل مُفلح وقال ضدّ ما قيل له فأمر المقتدر بتسليمه إلى ابن الفرات فأُرسل إليه فحبسه في دار حسنة وأجرى عليه من الطعام والكسوة والطيب وغير ذلك ما كان له وهو وزير ثمّ أحضره وأحضر الفقهاء والعمّال وناظره على ما وصل إليه من المال وطالبه به فأقرّ بجهات تقارب ألف ألف دينار وضمنه المحسن بن أبي الحسن بن الفرات من المقتدر بخمسمائة ألف دينار فسلّمه إليه فعذّبه بأنواع العذاب وأنفذه إلى واسط مع بعض أصحابه ليبيع ما له بواسط وأمرهم بأن يسقوه سمًّا فسقوه سمًّا في بيض مشوي وكان طلبه فأصابه إسهال فلمّا وصل إلى واسط أفرط الإغيام به وكان قد تسلّمه محمّد بن علي البَزَوْفريُّ فلما رأى حاله أحضر القاضي والشهود ليشهدوا عليه أن ليس له في أمره صنع فلمّا حضروا عند حامد قال لهم‏:‏ إن أصحاب المحسن سقوني سمًّا في بيض مشوي فأنا أموت منه وليس لمحمّد في أمري صنع لكنّه قد أخذ قطعة من أموالي وأمتعتي وجعل يحشوها في المَساور وتباع المِسْوَرةُ في السوق بمحضر من أمين السلطان بخمسة دراهم ووضع عليها مَن يشتريها ويحملها إليه فيكون فيها أمتعة تساوي ثلاثة آلاف دينار فاشهدوا على ذلك‏.‏

وكان صاحب الخبر حاضرًا فكتب ذلك وسيّره وندم البزوفريُّ على ما فعل ثمّ مات حامد في رمضان من هذه السنة ثمّ صودر عليُّ بن عيسى بثلاثمائة ألف دينار فأخذه المحسن

وبلغ الخبر الوزير أبا الحسن بن الفرات فأنكر على ابنه ذلك لأنّ عليًّا كان محسنًا إليهم أيّام ولايته وكان قد أعطى المحسن وقت نكبته عشرة آلاف درهم وأدّى عليُّ بن عيسى مال المصادرة وسيّره ابن الفرات إلى مكّة وكتب إلى أمير مكّة لِيُسيّره إلى صنعاء ثمّ قبض ابن الفرات على أبي عليّ بن مقلة ثمّ أطلقه وقبض على ابن الحواريّ وكان خِصّيصًا بالمقتدر وسلّمه إلى ابنه المحسن فعذّبه عذابًا شديدًا وكان المحسن وقحًا سيئ الأدب ظالمًا ذا قسوة شديدة وكان الناس يسمّونه الخبيث بن الطيّب وسيّر ابن الحواريّ إلى الأهواز ليستخرج منه الأموال التي له فضربه الموكَّل به حتّى مات‏.‏

وقبض أيضًا على الحسين بن أحمد ومحمّد بن عليّ المادرانيّين وكان الحسين قد تولّى مصر والشام فصادرهما على ألف ألف دينار وسبعمائة ألف دينار ثمّ صادر جماعة من الكتّاب ونكبهم‏.‏

ثمّ إنّ ابن الفرات خوّف المقتدر من مؤنس الخادم وأشار عليه بأن يسيّره عن الحضرة إلى الشام ليكون هنالك فسمع قوله وأمره بالمسير وكان قد عاد من الغزاة فسأل أن يقيم عدّة أيّام بقيت من شهر رمضان فأُجيب إلى ذلك وخرج في يوم شديد المطر‏.‏

وسبب ذلك أنّ مؤنسًا لمّا قدم ذكر للمقتدر ما اعتمده ابن الفرات من مصادرات الناس وما يفعله ابنه من تعذيبهم وضربهم إلى غير ذلك من أعمالهم فخافه ابن الفرات فأبعده عن المقتدر ثمّ سعى ابن الفرات بنصر الحاجب وأطمع المقتدر في ماله وكثرته فالتجأ نصر إلى أمّ المقتدر فمنعته من ابن الفرات‏.‏

  ذكر القرامطة

وفيها قصد أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد الهجريُّ البصرة فوصلها ليلًا في ألف وسبعمائة رجل ومعه السلاليم الشعر فوضعها على السور وصعد أصحابه ففتحوا الباب وقتلوا الموكلين به وكان ذلك في ربيع الآخر‏.‏

وكان على البصرة سُبُك المُفلحيُّ فلم يشعر بهم إلاّ في السَّحَر ولم يعلم أنّهم القرامطة بل اعتقد أنّهم عرب تجمّعوا فركب إليهم ولقيهم فقتلوه ووضعوا السيف في أهل البصرة وهرب الناس إلى الكَلإِ وحاربوا القرامطة عشرة أيّام فظفر بهم القرامطة وقتلوا خلقًا كثيرًا وطرح الناس أنفسهم في الماء فغرق أكثرهم‏.‏

وأقام أبو طاهر سبعة عشر يومًا يحمل منها ما يقدر عليه من المال والأمتعة والنساء والصبيان فعاد إلى بلده واستعمل المقتدر على البصرة محمّد بن عبدالله الفارقيّ فانحدر إليها

  ذكر استيلاء ابن أبي الساج على الرَّيّ

في هذه السنة سار يوسف بن أبي الساج من أذربيجان إلى الرَّيّ فحاربه أحمد بن عليّ أخو صعلوك فانهزم أصحاب احمد وقُتل هو في المعركة وأنفذ رأسه إلى بغداد وكان أحمد بن عليّ قد فارق أخاه صعلوكًا وسار إلى المقتدر فأُقطع الريّ كما ذكرناه ثمّ عصى وهادن ما كان بن كالي وأولاد الحسن بن عليّ الأطروش وهم بطبرستان وجُرجان وفارق طاعة المقتدر وعصى عليه ووصل رأسه إلى بغداد‏.‏

وكان ابن الفرات يقع في نصر الحاجب ويقول للمقتدر أنّه هو الذي أمر أحمد بن عليّ بالعصيان لمودّة بينهما‏.‏

وكان قتلُ أحمد بن عليّ آخر ذي القعدة واستولى ابن أبي الساج على الرَّيّ ودخلها في ذي الحجّة من السنة ثمّ سار عنها في أوّل سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة إلى همذان واستخلف بالريّ غلامه مُفلحًا فأخرجه أهل الريّ عنهم فلحق يوسف وعاد يوسف إلى الريّ في جُمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة واستولى عليها‏.‏

  ذكر عدّة حوادث

وفيها غزا مؤنس المظفَّر بلاد الروم فغنم وفتح حصونًا وغزا ثمل أيضًا في البحر فغنم من السبي ألف رأس ومن الدوابّ ثمانية آلاف رأس ومن الغنم مائتي ألف رأس ومن الذهب والفضّة شيئًا كثيرًا‏.‏

وفيها ظهر جراد كثير بالعراق فأضرّ بالغلاّت والشجر وعظم‏.‏

وفيها استُعمل بنّيّ بن نفيس على حرب أصبهان‏.‏

وفيها توفّي بدر المعتضديُّ بفارس وهو أميرها ووليَ ابنه محمّد مكانه‏.‏

وفيها توفّي أبو محمّد أحمد بن محمّد بن الحسين الجُريريُّ الصوفيُّ وهو من مشاهير مشايخهم الجُريريّ بضمّ الجيم وأبو إسحاق إبراهيم بن السرّيّ الزجّاج النحويُّ صاحب كتاب معاني القرآن‏.‏

  ثم دخلت سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة

  ذكر حادثة غريبة

في هذه السنة ظهر في دار كان يسكنها المقتدر بالله إنسان أعجميٌّ وعليه ثياب فاخرة وتحتها ممّا يلي بدنه قميص صوف ومعه مِقْدحة وكبريت ومِحْبرة وأقلام وسكّين وكاغد وفي كيس سَويق وسكر وحبل طويل من قُنّب يقال إنّه دخل مع الصُنّاع فبقي هناك فعطش فخرج يطلب الماء فأُخذ فأحضروه عند ابن الفرات فسأله عن حاله فقال‏:‏ لا أخبر إلاّ صاحب الدار فرفق به فلم يخبره بشيء وقال‏:‏ لا أخبر إلاّ صاحب الدار فضربوه ليقرّروه فقال‏:‏ بسم الله بدأتم بالشر ولزم هذه اللفظة ثمّ جعل يقول بالفارسيّة‏:‏ ندانم معناه لا أدري فأمر به فأُحرق‏.‏

وأنكر ابن الفرات على نصر الحاجب هذه الحال حيث هو الحاجب وعظّم الأمر بين يدي المقتدر ونسبه إلى إنه أخفاه لقتل المقتدر فقال نصر‏:‏ لِمَ أقتل أمير المؤمنين وقد رفعني من الثرى إلى الثريا إنّما يسعى في قتله من صادره وأخذ أمواله وأطال حبسه هذه السنين وأخذ ضياعه وصار لابن الفرات بسبب هذا حديث في معنى نصر‏.‏

  ذكر أخذ الحاجّ

في هذه السنة سار أبو طاهر القرمطيُّ إلى الهَبِير في عسكر عظيم ليلقى الحاجّ سنة إحدى عشرة وثلاثمائة في رجوعهم من مكّة فأوقع بقافلة تقدّمت معظم الحاجّ وكان فيها خلق كثير من أهل بغداد وغيرهم فنهبهم واتّصل الخبر بباقي الحاجّ وهم بفَيد فأقاموا بها حتّى فني زادهم وكان أبو الهيجاء بن حَمدان قد أشار عليهم بالعود إلى وادي القُرى وأنّهم لا يقيمون بفَيد فاستطالوا الطريق ولم يقبلوا منه وكان إلى أبي الهيجاء طريق الكوفة وكثير الحاجّ فلمّا فني زادهم ساروا على طريق الكوفة فأوقع بهم القرامطة وأخذوهم وأسروا أبا الهيجاء وأحمد ابن كشمرد ونحرير وأحمد بن بدر عمّ والدة المقتدر وأخذ أبو طاهر جمال الحجّاج جميعها وما أراد من الأمتعة والأموال والنساء والصبيان وعاد إلى هَجَر وترك الحاجّ في مواضعهم فمات أكثرهم جوعًا وعطشًا ومن حرّ الشمس‏.‏

وكان عُمْرُ أبي طاهر حينئذ سبع عشرة سنة وانقلبت بغداد واجتمع حُرَم المأخوذين إلى حُرَم المنكوبين الذي نكبهم ابن الفرات وجعلن ينادين‏:‏ القُرمطيُّ الصغير أبو طاهر قتل المسلمين في طريق مكّة والقُرمطيُّ الكبير ابن الفرات قد قتل المسلمين ببغداد‏.‏

وكانت صورة فظيعة شنيعة وكسر العامّة منابر الجوامع وسوّدوا المحاريب يوم الجمعة لستّ خلون من صفر وضعفت نفس ابن الفرات وحضر عند المقتدر ليأخذ أمره فيما فعله وحضر نصر الحاجب المشورة فانبسط لسانه على ابن الفرات وقال له‏:‏ الساعة تقول أيّ شيء نصنع وما هو الرأي بعد أن زعزعتَ أركان الدولة وعرَّضتَها للزوال في الباطن بالميل مع كلّ عدوّ يظهر ومكاتبته ومهادنته وفي الظاهر بإبعادك مؤنسًا ومن معه إلى الرَّقّة وهم سيوف الدولة فمن يدفع الآن هذا الرجل أن قصد الحضرة أنت أو ولدك وقد ظهر الآن أنّ مقصودك بإبعاد مؤنس وبالقبض عليَّ وعلى غيري أن تستضعف الدولة وتقوي اعداءها لتشفي غيظ قلبك ممّن صادرك وأخذ أموالك ومن الذي سلّم النّاس إلى القرمطيّ غيرك لما يجمع بينكما من التشيع والرفض وقد ظهر أيضًا أنّ ذلك الرجل العجميّ كان من أصحاب القُرمطيّ وأنت أوصلتَه‏.‏

فحلف ابن الفرات أنّه ما كاتب القُرمطيَّ ولا هاداه ولا رأى ذلك الأعجميَّ إلا تلك الساعة والمقتدر معرض عنه وأشار نصر على المقتدر أن يحضر مؤنسًا ومَن معه ففعل ذلك وكتب إليه بالحضور فسار إلى ذلك ونهض ابن الفرات فركب في طيارة فرجمه العامّة حتّى كاد يغرق‏.‏

وتقدّم المقتدر إلى ياقوت بالمسير إلى الكوفة ليمنعها من القرامطة فخرج في جمع كثير ومع ولداه المظفَّر ومحمّد فخرج على ذلك العسكر مال عظيم وورد الخبر بعود القرامطة فعطل مسير ياقوت‏.‏

ووصل مؤنس المظفَّر إلى بغداد ولّما رأى المحسن ابن الوزير ابن الفرات انحلال أمورهم وأخذ كلّ مَن كان محبوسًا عنده من المصادرين فقتلهم لأنّه كان قد أخذ منهم أموالًا جليلة ولم يوصلها إلى المقتدر فخاف أن يقرّوا عليه‏.‏

وولده المحسن ثمّ إنّ الإرجاف كثر على ابن الفرات فكتب إلى المقتدر يعرّفه ذلك وأنّ الناس إنّما عادوه لنصحه وشفقته وأخذ حقوقه منهم فأنفذ المقتدر إليه يسكّنه ويطيّب قلبه فركب هو وولده إلى المقتدر فأدخلهما إليه فطيّب قلوبهما فخرجا من عنده فمنعهما نصر الحاجب من الخروج ووكّل بهما فدخل مُفلح على المقتدر وأشار عليه بتأخير عزله فأمر بإطلاقهما فخرج هو وابنه المحسن فأمّا المحسن فإنّه اختفى وأمّا الوزير فإنّه جلس عامّة نهاره يمضي الأشغال إلى الليل ثمّ بات مفكرًا فلمّا أصبح سمعه بعض خدمه ينشد‏:‏ وأصبَحَ لا يَدري وإن كان حازمًا أقُدّامَه خيرٌ له أم وراءُه فلمّا أصبح الغد وهو الثامن من ربيع الأوّل وارتفع النهار أتاه نازوك وبليق في عدّة من الجند فدخلوا إلى الوزير وهو عند الحرم فأخرجوه حافيًا مكشوف الرأس وأُخذ إلى دجلة فألقى عليه بليق طيلسانًا غطى به رأسه وحُمل إلى طيار فيه مؤنس المظفَّر ومعه هلال بن بدر فاعتذر إليه ابن الفرات وألان كلامه فقال له‏:‏ أنا الآن الأستاذ وكنتُ بالأمس الخائن الساعي في فساد الدولة وأخرجتَني والمطر على رأسي ورؤوس أصحابي لم تمهلني‏.‏

ثمّ سُلّم إلى شفيع اللؤلؤي فحُبس عنده وكانت مدّة وزارته هذه عشرة أشهر وثمانية عشر يومًا وأُخذ أصحابه وأولاده ولم ينج منهم إلاّ المحسن فإنّه اختفى وصودر ابن الفرات على جملة من المال مبلغها ألف ألف دينار‏.‏

  ذكر وزارة أبي القاسم الخاقانّي

ولّما تغيّر حال ابن الفرات سعى عبدالله بن محمّد بن عُبيد الله بن يحيى ابن خاقان أبو القاسم بن أبي عليّ الخاقانيّ في الوزارة وكتب خطّه أنّه يتكفّل ابن الفرات وأصحابه بمصادرة ألفَيْ ألف دينار وسعى له مؤنس الخادم وهارون بن غريب الخال ونصر الحاجب‏.‏

وكان أبو عليّ الخاقانيُّ والد أبي القاسم مريضًا شديد المرض وقد تغيّر عليه لكبر سنّه فلم يعلم بشيء من حال ولده وتولّى أبو القاسم الوزارة تاسع ربيع الأوّل وكان المقتدر يكرهه فلمّا سمع ابن الفرات وهو محبوس بولايته قال‏:‏ الخليفة هو الذي نُكِبَ لا أنا يعني أنّ الوزير عاجز لا يعرف أمر الوزارة‏.‏

ولّما وزَر الخاقانيُّ شفع إليه مؤنس الخادم في إعادة عليّ بن عيسى من صنعاء إلى مكّة فكتب إلى جعفر عامل اليمن في الإذن لعليّ بن عيسى في العود إلى مكّة ففعل ذلك وأذن لعليّ

ومات أبو عليّ الخاقانيُّ في وزارة ولده هذه‏.‏